الطب وطب الأسنان
مقابلة مع د. شفيق خوري وَ د. هاني كنج عن الطب وطب الأسنان
يشهد وسطنا العربي في السنوات الأخيرة إقبالاً متزايدًا على موضوعَيّ الطب وطب الأسنان. في الحقيقة، إنّه ليس مجرّد إقبال، بل هو أشبه بالانقضاض، فيبدو أنّ شبابنا ينقضّ على مواضيع الطب بالضبط كما ينقضّ طائر جارح على فريسة كان قد لمحها عن بعد، دون تمييزها حقًا. نكرّر، دون تمييزها حقًا.
على أيّ حال، لا شكّ في أنّ الوعي عند المرشّحين لمواضيع الطب يشهد إزديادًا متواصلاً في السنوات الأخيرة، ومع ذلك لا يزال شبابنا متعطّشًا لبعض التوجيه قبل أن يسلك المسار المؤدّي إلى نيل حرف “الدال” المرموق. لهذا الهدف، نتقدّم لكم بحوار مميّز مع الطبيبين: الطبيب شفيق خوري من مدينة حيفا وطبيب الأسنان هاني كنج من مدينة الناصرة.
د. شفيق خوري، مركّز اللغة الإنجليزيّة في المعهد، أنهى دراسة الطب العام في التخنيون وهو اليوم في مرحلة التخصّص بموضوع الطب الباطنيّ. أمّا د. هاني كنج، المسؤول المهنيّ في المعهد ومرشد كمّي وكلامي، فقد أنهى دراسة طب الأسنان في الجامعة العبريّة في القدس. كِلا الطبيبين لم يبخلا في تجنيد كلّ معرفتهما وخبرتهما لتسليحكم بالإجابات الوافية على الأسئلة الوافرة…
ما هو عدد سنوات التعليم وكيف تُقسَّم؟
د. خوري: عدد السنوات الكلّيّ هو 7 سنوات. في السنوات الثلاث الأولى تُعلّم مواضيع الأساس في الطب بصورة نظريّة، وتشكّل السنوات الثلاث بعد ذلك المرحلة التطبيقيّة من التعليم، حيث يتعامل خلالها الطلاب مع مرضى بشكل فعليّ. بعد ذلك وقبل المباشرة في السنة السابعة، يخضع الطلاب لامتحانات الدولة. إجتياز هذه الامتحانات بنجاح يخوّل الطالب بالانتقال إلى السنة السابعة والأخيرة، ألا وهي سنة التدريب (ستاج) وهي بمثابة مرحلة إنتقاليّة بين التعليم الجامعيّ والعمل الفعليّ كطبيب. في هذه السنة يطبّق الخرّيجون في مستشفيات البلاد تحت إشراف أطبّاء، وعلى خلاف سنوات التعليم الستّة السابقة، يحصل الشخص خلال سنة التدريب على راتب شهريّ مقابل عمله. بعد إنهاء هذه السنوات السبع يحصل الطالب على لقب “طبيب عام”.
د. كنج: عدد السنوات الكلّيّ هو 6 سنوات. السنوات الثلاث الأولى في طب الأسنان مشابهة جدًّا للسنوات الثلاث الأولى في الطب العام، حيث تُعلّم مواضيع الأساس بصورة نظريّة مع لمحة بسيطة عن طب الأسنان. في السنة الرابعة يُكثّف التعليم النظريّ ويتم الدخول إلى عالم طب الأسنان فعليًّا، حيث يبدأ الطلاب بالتطبيق العمليّ، في البداية على دمى وبمرحلة لاحقة على بشر. أمّا التطبيق الفعليّ فيكون بالأساس في السنتين الأخيرتين، حيث تتم معالجة مرضى بشكل ثابت، لكن طبعًا تحت مراقبة وإشراف أطبّاء أسنان. وأخيرًا، يجب النجاح بامتحان الدولة ليكتمل التأهيل، ولا حاجة لفترة تدريب (ستاج) كما هو الحال في الطب العام لأنّ التدريب يكون من خلال التعليم نفسه.
ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفّر لدى الشخص لكي يحب وينجح بالموضوع؟
د. خوري: خلال التعليم توجد حاجة لقدرات ذهنيّة عالية التي تُفحص بواسطة الامتحان البسيخومتريّ: قدرة على الحفظ والتحليل، منطق سليم وتقسيم وقت صحيح. أمّا خلال العمل، فعلى الطبيب الناجح أن يكون ذا قدرة عالية على الاتّصال مع الناس بتنوّعهم، دقيقًا، قادرًا على العمل تحت الضغط وأن يتحلّى بصفات أخرى تُفحص جميعها عن طريق المقابلات التي تُجرى لمرشّحي الطب.
د. كنج: المواصفات اللازمة في العمل هي التالية: ميول فنيّة، دقّة، إبداع، صبر وقدرة على السيطرة على الأيدي واستخدامهم بشكل جيّد. أمّا في التعليم فالأساس هو جلادة على الدراسة ومتابعة المواد، قدرة على تحمّل الضغط، وأيضًا تقبّل المرضى ومعاملتهم بإنسانيّة. طبعًا، لمن يفتقر لبعض هذه المواصفات، الطريق ليست مسدودة لأنّ احتمال تطويرها خلال مسار التعليم هو أمر وارد بلا شكّ.
ما هي شروط القبول للطب / طب الأسنان في البلاد؟
د. خوري: شروط القبول تختلف من جامعة لأخرى لكن بالمحصّلة هي عبارة عن معدّل بسيخومتري وبجروت عالٍ بالإضافة لأداء جيّد في مجموعة مقابلات. علامات البسيخومتري والبجروت هي لضمان مستوى ذهنيّ معيّن، والمقابلات هي لفحص الجانب غير الذهنيّ للمرشّح (نضوج، دقّة، انفتاح، قدرة على تقبّل الآخر…). سلسلة المقابلات هذه تدعى “مور” في التخنيون وجامعة تل أبيب، و”مِركام” في الجامعة العبريّة في القدس. في جامعة بئر السبع تقام مقابلة شخصيّة واحدة لتحديد مصير المرشّح.
د. كنج: شروط القبول لطب الأسنان قد تتقلّب وتتغيّر من سنة لأخرى، لكن بشكل عام يجب استيفاء الشروط التالية: أوّلًا، معدّل بجروت وبسيخومتري مرتفع، ومن الجدير بالذكر أنّ النسبة بينهما هي %30 وَ %70 على التوالي في الجامعة العبريّة في القدس. ثانيًا، تعبئة استمارة لفحص الصفات الشخصيّة، الجدّيّة وحقيقة الميل للموضوع. ثالثًا، الخضوع لسلسلة مقابلات وأخيرًا القيام بامتحان معرفة أساسيّة بالعلوم. إضافةً للمذكور، يجب التنويه إلى أنّه من المفضل أن يكون طب الأسنان مسجّلاً كأفضليّة أولى في استمارة التسجيل فهذا يزيد من احتمالات القبول.
ماذا تنصح الطلاب أن يفعلوا لكي يتعرّفوا على ميلهم أو عدمه لموضوع الطب / طب الأسنان؟
د. خوري: إختيار موضوع التعليم يتعلّق بأمرين رئيسيّين وهما ميول الشخص نفسه والشروط العمليّة للموضوع (ساعات العمل، الدخل، سنوات التعليم…). لفحص الميول أنصح بالتطوّع في مستشفيات أو صناديق المرضى، مرافقة طبيب ومشاهدته في عمله، القراءة عن الموضوع والاطّلاع على مواده.
د. كنج: الموضوع كما ذكرت سابقًا يحتاج لمواصفات عديدة. لمن يبعد كلّ البعد عن هذه المواصفات ويظنّ أنّ ليس بمقدوره أو بنيّته تطويرها فهو غير ملائم للموضوع. كما وأنصح بالتعرّف على الموضوع عن كثب وهذا يتم عن طريق مرافقة طبيب أسنان ومراقبة طبيعة عمله.
د. خوري، لماذا اخترت الطب العام وليس طب الأسنان؟
د. خوري: طب الأسنان هو موضوع ممتاز وقد تلقّيت تشجيعًا كبيرًا لتعلّمه، لكن عندما فكّرت مليًّا بالموضوع لم أجد نفسي ملائمًا ولم أرَ نفسي كطبيب أسنان مستقبلاً، لذلك لم أتّجه لطب الأسنان.
د. كنج، لماذا اخترت طب الأسنان وليس الطب العام ؟
د. كنج: الاختيار جاء بسبب طبيعتي العمليّة، فأنا أُفضّل الاستقلاليّة والسيطرة على جدول أعمالي الخاص وهذا متوفّر في طب الأسنان أكثر منه في الطب العام. في الطب العام، وخصوصًا في بداية العمل فيه، هنالك ارتباط إلى حدّ كبير بالمستشفى، على عكس العمل في طب الأسنان الذي يتيح للطبيب إمكانيّة تحديد ساعات عمله.
ما هي مجالات التخصّص في الطب / طب الأسنان وتكاليفها؟
د. خوري: إحدى حسنات الطب هي أنّ مجالات التخصّص فيه واسعة جدًّا وتلائم كلّ الميول المختلفة. من أبرز مجالات التخصّص:
1) الطب الباطني (רפואה פנימית) بمشتقّاته: القلب، الكلى، الدم، الجهاز الهضمي وغيرها. 2) الجراحة (כירורגיה)، وهي نوعان: الماكرو-جراحة (جراحة الأعضاء الكبيرة كجراحة أعضاء البطن) والميكرو-جراحة (جراحة الأعضاء الصغيرة كطب العيون وطب الأنف، الأذن والحنجرة). 3) مواضيع أخرى كطب العائلة، طب الأطفال، طب الأعصاب، الطب النفسيّ، التخدير وغيرها. عدد سنوات التخصّص يتراوح ما بين الأربع سنوات والسبع سنوات ونصف. على خلاف مواضيع أخرى، مرحلة التخصّص في الطب العام معفيّة من قسط التعليم، بل أنّها فترة عمل يحصل خلالها الطبيب على راتب شهري مقابل عمله.
د. كنج: مجالات التخصّص متعدّدة، ومنها: تقويم الأسنان، الجراحة، علم اللثّة وعلاج العصب. عدد سنوات التخصّص يتراوح ما بين الثلاث سنوات ونصف والخمس سنوات. بالرغم من تعدّد التخصّصات إلّا أنّ القبول لها ليس بالأمر السهل بتاتًا وهذا يعود للطلب الكبير عليها ولمحدوديّة الأماكن. بالإضافة لصعوبة القبول، إنّ تكاليف التخصّص باهظة نسبيًّا وبخلاف الطب العام، هذه التكاليف تلقى على عاتق المتخصِّص نفسه.
ماذا عن فرص العمل ونوعيّته؟
د. خوري: فرص العمل متوفّرة ومتنوّعة، منها العمل في مستشفى، عيادة خاصة، شركات التي تحتاج إلى أطبّاء للعاملين فيها وشركات لتطوير الأدوية.
العمل في المستشفى له ما يميّزه عن العيادة، فالعمل الجماعيّ للأطبّاء والاستفادة المتبادلة بينهم تُكسب الطبيب خبرة مميّزة.
د. كنج: فرص العمل متنوّعة وعديدة، إليكم البعض منها: العمل في عيادات خاصّة لأطباء آخرين، في عيادة خاصّة شخصيّة، صناديق مرضى ومؤسّسات علاجيّة مختلفة. أمّا عن العمل في المستشفيات فهو نادر في مجال طب الأسنان.
ماذا لديك أن تقول عن المردود المادّي للأطباء / أطبّاء الأسنان؟
د. خوري: المردود المادّي للأطبّاء جيّد بالمقارنة مع باقي المهن، فهو يكفي لعيشة محترمة. أمّا عند مقارنته بعدد سنوات التعليم لا تكون العلاقة مباشرة بينهما، إذ أنّ عدد السنوات كبير بالمقارنة مع المردود الماديّ. لكن مع التقدّم بالمهنة يزداد المردود الماديّ بصورة ملموسة.
د. كنج: المنافسة الكبيرة في مجال طب الأسنان تزيد من صعوبة إيجاد فرص عمل في بداية الطريق المهنيّة. لذلك، على المبتدئين التنازل بعض الشيء والقبول بعمل يقل عن “عمل أحلامهم” وبالتالي الاكتفاء بمردود ماديّ متواضع نوعًا ما. لكن مع التقدّم في المهنة والزيادة في الخبرة، الراتب يزداد تدريجيًّا وصولًا لدرجة ممتاز جدًّا.
كيف تلخّص حسنات وسيّئات الموضوع؟
د. خوري: حسنات الموضوع هي أنّه شيّق ومتجدّد، يحظى بتقدير اجتماعيّ عالٍ، يمنح اكتفاءً ذاتيًّا، فرص العمل فيه واسعة ومتوفّرة، يمنح ضمانًا اقتصاديًّا وإمكانيات التخصّص فيه واسعة.
أمّا سيّئاته فهي كما يلي: مسار القبول طويل ومتعب، سنوات التعليم طويلة، المردود المادي ليس بعلاقة مباشرة مع عدد سنوات التعليم والعمل لساعات طويلة ومتواصلة في مرحلة التخصّص ليس بالأمر السهل.
د. كنج: سوف أقسّم حديثي لقسمين: عن الموضوع خلال فترة التعليم ومن ثم عن العمل في الموضوع. حسنات التعليم: ممتع، مثير للاهتمام وفيه تعامل مع أشخاص. سيّئات التعليم: شروط القبول صعبة، موضوع صعب نسبيًّا، عدد سنين التعليم كبير وهنالك ضغط نفسيّ خلال التعليم بسبب متطلّبات كلّيّة طب الأسنان الصارمة أحيانًا.
حسنات العمل: استقلاليّة وسيطرة على المواعيد، مردود ماديّ جيّد جدًّا، موضوع دائم التطوّر ويعطي اكتفاءً ذاتيًّا على مختلف الأصعدة. سيّئات العمل: هنالك صعوبة في إيجاد عمل في البداية، التخصّص ليس بالأمر السهل، قد يصل الطبيب إلى روتين معيّن في بعض المجالات.
ما هو الفرق بين جودة الموضوع داخل وخارج البلاد؟
د. خوري: جودة التعليم خارج البلاد تتعلّق بالدولة نفسها ولا توجد إجابة تشمل جميع الدول. لكن من المعلوم أنّ جهاز الطب في البلاد يفضّل المتخرّجين من الجامعات الإسرائيليّة، وعلى المتخرّجين من دول أخرى إثبات أنفسهم أكثر من خرّيجي البلاد. أمّا عن جودة التعليم في إسرائيل فهي جيّدة جدّا. من المهم جدًّا أن نلفت الانتباه للفروقات الفرديّة، إذ أنّه من الممكن أن يتخرّج شخصان من نفس المكان ويكون هناك تفاوت بمستوى المعرفة بينهما.
د. كنج: جودة الجامعات خارج البلاد متفاوتة ولا توجد إجابة موحّدة بخصوص الفرق بينها وبين جامعات البلاد. لكن أنا شخصيًّا لست ضد الدراسة خارج البلاد وأعتقد أنّ هنالك جامعات على مستوى رفيع جدًّا، لكنّني أنصح أولاً بالتحقّق من جودة الجامعة قبل التسجيل والمباشرة في التعليم.
هل تنصح بالموضوع بشكل عام؟ وبشكل خاص للفتيات؟
د. خوري: موضوع الطب شيّق، متجدد، فيه تحدٍّ ويمنح اكتفاءً ذاتيًّا على مختلف الأصعدة وبالتالي أنصح به الشباب والفتيات على حدّ سواء. في يومنا هذا عدد الفتيات اللواتي تتّجهن لتعلّم الطب يفوق عدد الشباب وهذا يعود للحقيقة بأن النظرة للفتاة اليوم تختلف عمّا كانت عليه في الماضي، فهي أكثر حرية ومساواة بالرجل وكونها فتاة يجب ألاّ يشكّل عائقًا أمام تعلّمها لموضوع تريده.
د. كنج: نعم أنصح بالموضوع، لكن فقط لمن تعرّف عليه ووجد أنّ لديه الميول لتعلّمه. أمّا بالنسبة للفتيات، اللواتي عددهنّ في تزايد مستمر في كليّة طب الأسنان على فكرة، فأنا أنصح بالموضوع بشدّة بسبب شروط العمل التي تتيح إمكانيّة السيطرة على الأوقات والحياة الشخصيّة.